أصدرت شركة الاستشارات الإدارية العالمية البارزة “أوليفر وايمان”، إحدى شركات “مارش ماكلينان” (المدرجة في بورصة نيويورك تحت الرمز MMC)، مؤخرًا، تقريرًا بشأن المشهد ذي التطورات المتلاحقة في مجال الذكاء الاصطناعي. وكشف التقرير عن وجود فرص هائلة يتيحها الذكاء الاصطناعي، مسلطًا الضوء في الوقت نفسه على المخاوف المتزايدة المحيطة بتبني حلوله وتقنياته وتوظيفها، بدءًا من وتيرة التطور المتسارعة إلى التهديدات الوجودية التي قد تنطوي عليها تلك التقنيات. وفي إطار استطلاعات الرأي ذات الصلة بهذه التقنيات، ترسم النتائج المستمدة من تقرير منتدى أوليفر وايمان للذكاء الاصطناعي بعنوان “كيف يُحدث الذكاء الاصطناعي الإبداعي التحول المنشود في المؤسسات والمجتمعات”، صورة عالمٍ “يفيض بالحماس والحذر في آن واحد” تجاه مستقبل الذكاء الاصطناعي.
وقال نيك ستادر، الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة أوليفر وايمان، إن المجتمعات في جميع أنحاء العالم تتطلع إلى أن تتولى حكوماتها زمام أمر هذه التقنيات لتحقيق الريادة في مجالات التعليم وتنمية القوى العاملة، بُغية تسخير الفرص والإمكانات التطويرية الهائلة التي يحملها الذكاء الاصطناعي تسخيرًا كاملًا، بصورة آمنة وأخلاقية. وأضاف في تصريحاته قبيل انعقاد القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، التي تستضيفها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي في العاصمة الرياض في الفترة من 10 إلى 12 سبتمبر الجاري: “أظهرت استطلاعات الرأي أن 39% من الأفراد في 20 دولة يؤيدون مبادرات الذكاء الاصطناعي التي تقودها حكوماتهم، وهذا بحد ذاته يشير إلى أهمية إعداد القوى العاملة للتغيّرات القادمة، مع الحرص على تطوير الذكاء الاصطناعي وتوظيفه بشكل مسؤول”.
لكن استطلاعًا للرأي نظمه أحدث منتدى لشركة “أوليفر وايمان” بعنوان “أجندة النمو الجديدة: كيف يتعامل الرؤساء التنفيذيون مع التحولات الناشئة في المجال الجيوسياسي والتجارة والتقنيات والأفراد” كشف عن وجود بعض الشكوك في أوساط قادة القطاعات بشأن وتيرة تبني الذكاء الاصطناعي. وأظهر الاستطلاع أن 41% من المسؤولين التنفيذيين في الشركات المدرجة في بورصة نيويورك يساورهم القلق بشأن التحرك ببطء شديد في مجال الذكاء الاصطناعي، ما يشدد على الأهمية الحرجة للابتكار في هذا المجال. كذلك يرى 96% من التنفيذيين المستطلعة آراؤهم أن الذكاء الاصطناعي يشكل “فرصة وليس خطرا”. وفي هذا السياق، تظهر المعدلات المرتفعة من التفاؤل السائد في أروقة المسؤولين التنفيذيين أهمية الإمكانات التي ينطوي عليها الذكاء الاصطناعي للمؤسسات والاقتصادات حول العالم.
وفي الوقت نفسه، يُلهم الذكاء الاصطناعي التوليدي خيال المستهلكين في جميع أنحاء العالم. فوفقًا لتقرير منتدى أوليفر وايمان للذكاء الاصطناعي، يرى 28% من المشاركين في استطلاعات الرأي حول العالم أن للذكاء الاصطناعي التوليدي القدرة على “فهم عمق المشاعر الإنسانية”، ما يشير إلى إمكاناته الواعدة في مجالات مثل الترفيه وخدمة العملاء. ولكن، بالرغم من هذا الحماس، لا تخفى المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي على أولئك الذين يحتلون مواقع في طليعة تطويره. ويكشف التقرير عن أن 50% من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي يرون وجود فرصة تزيد على 10% لأن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى انقراض البشر، وهي نسبة صادمة تشدد على أهمية تطوير الذكاء الاصطناعي بحذر ومسؤولية.
الذكاء الاصطناعي في دول الخليج
- النتيجة السابقة الموظفين في المملكة العربية السعودية من تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي، فوفقًا لتقرير منتدى أوليفر وايمان للذكاء الاصطناعي، يلجأ قرابة 68% من الموظفين في المملكة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي أسبوعيًا، مقارنة بنحو 55% فقط على مستوى العالم. ويرى 93% من السعوديين أن الذكاء الاصطناعي التوليدي “أداة أساسية في العمل”، مقارنة بنحو 95% في الشرق الأوسط و79% على مستوى العالم.
- تُبدي الحكومة في المملكة العربية السعودية حماسًا يضاهي حماس الأفراد تجاه الذكاء الاصطناعي، فالحكومة السعودية، ونظيراتها من الحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة، تضطلع بدور قيادي في هذا المجال، يسهم بوضع المنطقة في مكانة سباقة تمكّنها من الاستفادة من التكنولوجيا لتحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية واسعة.
- تُبرز استراتيجية الاستثمار الطموحة في الذكاء الاصطناعي بالمملكة، الحراك العالمي الرامي لتطوير الذكاء الاصطناعي. فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الحكومة السعودية تخطط لاستثمار 40 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي، ما يعكس التزام المملكة بأن تغدو إحدى الدول الرائدة على الصعيد العالمي في هذا المجال.
- أضاف تقرير صحيفة نيويورك تايمز أن ممثلين عن صندوق الاستثمار العام السعودي ناقشوا إمكانية إبرام علاقات شراكة مع إحدى شركات رأس المال الاستثماري الرائدة في وادي السيليكون، وممولين آخرين. وتنسجم مثل هذه الخطوات مع مبادرة “تحالف الدول الأربع للرقائق الإلكترونية” التي أطلقتها الولايات المتحدة لبناء سلسلة توريد أشباه موصلات مستدامة تشكل أهمية بالغة لصناعة تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك بشراكة استراتيجية مع اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان. وتسيطر هذه البلدان الأربعة مجتمعة على حصة كبيرة من سوق أشباه الموصلات العالمية.
وفي هذا الصدد، جاد حداد الشريك والرئيس العالمي لباقة Quotient المختصة بحلول الذكاء الاصطناعي لدى شركة أوليفر وايمان: “تتخذ بلدان الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص موقفًا واثقاً في تبني الذكاء الاصطناعي”. وأضاف: “يتجلى هذا الموقف في التزام الحكومات بالاستثمار في هذه التقنية وتوظيفها، وفي حرص الفئات السكانية الشابة والمتنامية في المنطقة على استخدام الخدمات القائمة على الذكاء الاصطناعي في العمل والمنزل، ما يحفز الاستثمار ويشجع الحكومات على المثابرة في مواقفها الاستباقية”.
الذكاء الاصطناعي في العالم
- أعرب أكثر من 80% من المشاركين في استطلاعٍ لآراء المستهلكين العالميين حول الذكاء الاصطناعي أجراه منتدى “أوليفر وايمان”، عن رغبتهم في استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض متنوعة تتراوح بين الرعاية الصحية والتخطيط المالي والتواصل الاجتماعي، وذلك في توجه يقوده الشباب من أبناء الجيل “زد”.
- يشير الاستطلاع إلى أن 63% من المستهلكين يتوقعون أن تصبح الحافلات ذاتية القيادة حقيقة واقعة خلال العقد المقبل، فيما يتوقع 66% وصول سيارات الأجرة ذاتية القيادة إلى الشوارع في المدة ذاتها. وتشير هذه التوقعات إلى تحوّل كبير في تطور النقل بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
- لا يخلو دمج الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل من التحديات، إذ يُظهر تقرير منتدى أوليفر وايمان للذكاء الاصطناعي أن 47% من الموظفين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي مستعدون لمواصلة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، حتى لو منعهم أرباب العمل من ذلك. وتؤكد هذه النسبة الحاجة إلى إرشادات واضحة واعتبارات أخلاقية في توظيف الذكاء الاصطناعي، في ظل شعور القوى العاملة بالحماس تجاهه.
واختتم جاد حداد بالقول: “تؤكد نتائج استطلاعات الرأي وتقرير أوليفر وايمان الطبيعة المزدوجة للذكاء الاصطناعي، بوصفه محركًا للابتكار ومصدرًا للقلق في آن واحد. وتشير هذه النتائج، في ضوء استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، إلى الحاجة لاتباع منهجيات متوازنة تعزز الاستفادة من منافع الذكاء الاصطناعي من جهة، وإدارة مخاطره بعناية من الجهة الأخرى”.