كشف تقرير جديد لمجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG)، عن تصنيف المملكة العربية السعودية ضمن أبرز وأفضل الاقتصادات العالمية الناشئة من حيث مدى الجاهزية للذكاء الاصطناعي.
وأظهر التقرير الذي جاء تحت عنوان “نبض الذكاء الاصطناعي في دول مجلس التعاون الخليجي: خريطة الجاهزية لمستقبل قائم على الذكاء الاصطناعي”، حصول المملكة العربية السعودية على تصنيف “دولة واعدة في مجال الذكاء الاصطناعي ” (AI Contender)، وهو تصنيف يُمنح للدول التي أحرزت تقدماً ملموساً في تطوير قدراتها في هذا المجال، وتمتلك مقومات واعدة تؤهلها لمنافسة الدول الرائدة مستقبلاً، إلى جانب 31 اقتصاداً آخر حول العالم بينهم اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة. ويستند التقرير إلى نموذج تحليلي يرصد مدى نضج الذكاء الاصطناعي، إذ حدد التقرير أربعة أنماط اقتصادية رئيسية بناءً على مستوى جاهزية الدول في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي: الاقتصادات الناشئة في الذكاء الاصطناعي (AI Emergent) في أدنى مستوى، يليها الاقتصادات الممارسة (Practitioners)، ثم الاقتصادات التنافسية أو الواعدة (Contenders)، وأخيرًا الاقتصادات الرائدة (Pioneers) في أعلى المراتب، وهي الفئة التي تضم الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين.
وكشف التقرير أن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مثل دولة قطر ودولة الكويت وسلطنة عُمان ومملكة البحرين، جاءت ضمن فئة “الاقتصادات الممارسة للذكاء الاصطناعي”، إذ يؤكد التقرير أن دول مجلس التعاون الخليجي، أمامها فرص كبيرة لتحقيق الريادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، لا سيما في ضوء التقدم اللافت الذي تحققه المملكة العربية السعودية في هذا المجال.

وقال الدكتور أكرم عوض، المدير المفوّض والشريك في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG) “تُجسّد الاستثمارات الاستراتيجية والرؤية الطموحة التي تتبناها المملكة العربية السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي نموذجًا يُحتذى به في كيفية استفادة الدول من التقنيات الناشئة لتحويل اقتصاداتها بشكل سريع، وتعزيز مكانتها العالمية. ومن خلال استهداف جذب استثمارات بقيمة 20 مليار دولار وتطوير أطر تنظيمية متقدمة، تضع المملكة نفسها في طليعة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن الحفاظ على هذا النمو المتسارع يتطلب بناء منظومة ابتكارية متكاملة، ترتكز على تمكين الكفاءات الوطنية، وتعزيز الشراكات بين القطاعين الأكاديمي والصناعي، وتكوين تحالفات عالمية تدفع المملكة نحو آفاق جديدة من الإنجازات التقنية.”
مسيرة السعودية نحو الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي
تُحقق المملكة العربية السعودية تقدماً لافتاً وخطوات ملموسة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يُشير تصنيفها ضمن النموذج التحليلي لمجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG) لنضج الذكاء الاصطناعي إلى مدى جاهزيتها وقدرتها على الارتقاء إلى مصاف الدول الرائدة في هذا المجال. وقد دشنت المملكة العربية السعودية، في عام 2019، الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA)، وأطلقت أيضا استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي في عام 2020، لتحقيق هدفها الطموح بأن تصبح ضمن قائمة أفضل 15 دولة في العالم في هذا المجال بحلول عام 2030.
كما ازدهرت قاعدة الكفاءات المهنية الوطنية والمواهب في مجال الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية لتضم نحو 5،000 متخصص، لكن لا تزال هناك حاجة مستمرة لتطوير منظومة مُستدامة ومتكاملة وذاتية تعتمد على الكفاءات الوطنية وتحد من الاعتماد على الخبرات الأجنبية. وعلى صعيد السياسات، أطلقت المملكة في عام 2023 مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بما يتوافق مع المعايير الدولية، كما واصلت تعزيز أطر الحوكمة والتنظيم لتسريع تبني الذكاء الاصطناعي.
وفي مايو 2025، أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرة “HUMAIN”، التي تهدف إلى قيادة طموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي. وتُركز المبادرة على تقديم خدمات متقدمة تشمل النماذج اللغوية العربية الضخمة، ومراكز البيانات، والبنية التحتية للخدمات السحابية، إلى جانب الشراكات الدولية التي تعزز اعتماد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية مثل الطاقة، والرعاية الصحية، والخدمات المالية. وتأتي هذه الجهود ضمن أهداف “رؤية السعودية 2030” الرامية إلى ترسيخ مكانة المملكة كمركز عالمي رائد للابتكار والتحول الرقمي والاقتصاد المُستدام.
وتسعى المملكة إلى جذب استثمارات تناهز 20 مليار دولار في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030. وقد سجلت المملكة نحو 200 براءة اختراع في مجال الذكاء الاصطناعي في عام 2023، ما يعكس نموًا ملحوظًا مقارنة بعام 2019، حيث تواصل العمل لمواكبة أعلى مستويات الابتكار النوعية التي تشهدها الدول الرائدة عالميًا.
كما يوضح التقرير أن 72% من الشركات السعودية تبنّت تقنيات الذكاء الاصطناعي الناشئة، مدعومة باستثمارات كبيرة في البنية التحتية السحابية والرقمية. ومن أبرز نقاط القوة التي تتمتع بها السعودية في هذا التوجه: الطموح العالي، والبنية التحتية الرقمية القوية، والحوكمة الفعالة للذكاء الاصطناعي. بينما تشمل المجالات التي تتطلب مزيدًا من التحسين، توسيع قاعدة المواهب، وزيادة الاستثمارات طويلة الأجل، وتعزيز التركيز على البحث والابتكار لتحقيق الأثر العالمي الملموس.

من جانبه، قال رامي مرتضى، الشريك والمدير في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG) “تُظهر المملكة العربية السعودية تقدماً لافتاً وإنجازًا جديرًا بالإشادة في مجالي الحوكمة وتبني الذكاء الاصطناعي، وهو ما يتجلى في ارتفاع مستوى النضج الوطني الخاص بالذكاء الاصطناعي، وتوسع مؤسسات الأعمال في اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة وزيادة في براءات الاختراع. كما أن إمكانات المملكة الحقيقية كدولة رائدة في هذ المجال على الصعيد العالمي تعتمد على قدرتها على التوسع السريع وتعزيز نطاق إنجازاتها في مجال الذكاء الاصطناعي، ويشمل ذلك تعزيز منظومة مستدامة لتأهيل الكفاءات والمواهب الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي، وسدّ الفجوة في الأبحاث المتقدمة، وتشجيع الابتكارات المؤثرة التي تتجاوز البنية التحتية والاستثمارات الكبيرة في المجالات الحيوية التي تحقق ريادة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي وأثر نوعي على الصعيدين المحلي والعالمي”.
سبل تعزيز جاهزية الذكاء الاصطناعي في دول مجلس التعاون الخليجي
يدعم تقرير “نبض الذكاء الاصطناعي في دول مجلس التعاون الخليجي”، التقدم الاستراتيجي في مسارات التنمية الوطنية، بما يُسهم في رفع تنافسية الدول عالمياً. كما يوصي التقرير بتوسيع قدرات الذكاء الاصطناعي من خلال برامج مُتخصصة للتأهيل وزيادة المهارات واستقطاب المواهب العالمية لتوسيع قاعدة المواهب الحالية، وإثراء السوق الإقليمية بخبرات ورؤى دولية، وهو أمر بالغ الأهمية لتسريع وتيرة الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي.
كما يشير التقرير إلى ضرورة تطوير أطر الحوكمة لتنسجم بصورة أفضل مع المبادئ الأخلاقية للذكاء الاصطناعي والمعايير العالمية المتطورة، بما يُعزز التنمية المستدامة والمسؤولة للذكاء الاصطناعي. ومن شأن تطوير هذه السياسات أن يُسهم في ترسيخ المكانة العالمية الرائدة للمملكة العربية السعودية، وأن تكون دولة مرجعية يُقاس عليها أداء الدول الأخرى في مجال الممارسات الأخلاقية لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويشدد التقرير على أهمية تكثيف الاستثمار في مجال البحث والتطوير لتعزيز التعاون بين الجامعات وقطاع الأعمال، بما يُمكّن المملكة العربية السعودية من ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي وعالمي للابتكار والتطور التكنولوجي، وتحقيق قفزات نوعية في مجالات قد تنافس -بل وتتجاوز- دولاً رائدة مثل الولايات المتحدة، والصين، وسنغافورة، والمملكة المتحدة، وكندا.
للاطلاع على التقرير والنتائج المفصّلة، يرجى الضغط على هذا الرابط