كشفت دراسة حديثة أجرتها بوسطن كونسلتينج جروب (BCG) النقاب عن أن الشركات العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي تضع الابتكار في مقدمة أولوياتها أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يتفوق قليلاً عن المتوسط العالمي، حيث يعتبره 85% من كبار المديرين التنفيذيين في تلك الشركات ضمن الأولويات القصوى لشركاتهم. وأوضحت الدراسة أن هذا الالتزام القوي بترسيخ الابتكار يعكس طموحات المنطقة نحو قيادة اقتصاد المعرفة العالمي، كما سلطت الدراسة الضوء على هذا الاتجاه الإيجابي للشركات الخليجية مع الإشارة إلى الفرص المتاحة لها لتعزيز جاهزيتها للابتكار.
أصدرت بوسطن كونسلتينج جروب دراستها السنوية للابتكار، تحت عنوان “أنظمة الابتكار بحاجة إلى إعادة التفعيل“، حيث أجرت تقييمًا لمدى نضج الابتكار لدى الشركات، واستطلعت آراء كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال الابتكار من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي.
أشارت الدراسة إلى أنه رغم مواصلة الابتكار في إثبات قيمته وأهميته بالنسبة للشركات، إلا أن أنظمة الابتكار على مستوى العالم بحاجة إلى إعادة تفعيل. كما تظل أولوية الابتكار في أعلى مستوياتها على الإطلاق، حيث تصنف 83% من الشركات العالمية الابتكار على أنه أحد أهم ثلاث أولويات لديها. لكن جاهزية الابتكار تراجعت بشكل حاد على مستوى العالم، من 20% قبل عامين إلى 9% في العام الماضي و3% فقط خلال العام الحالي. وقالت الدراسة إن هذا الاتجاه العالمي بات أكثر وضوحًا في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تُظهر الشركات مستوى أقل من المتوسط العالمي من حيث الجاهزية للابتكار.
كشفت الدراسة عن أنه بالرغم من منح الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي الأولوية للابتكار على مستوى أعلى من نظيراتها العالمية، فإنها تواجه تحديات أكبر في ترجمة هذا الطموح إلى جاهزية للابتكار، موضحة أن هذا الاتجاه يتوافق مع الأنماط العالمية السائدة، حيث تجد الشركات في مختلف المناطق صعوبة في مطابقة أولويات الابتكار مع مستوى الجاهزية الفعلية لديها، على الرغم من أن الفجوة تبدو أكبر في دول مجلس التعاون الخليجي.
صرح فيصل حمادي، الذي يشغل منصب مدير مفوض وشريك لدى بوسطن كونسلتينج جروب، قائلاً “نرى قيام الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي بإعطاء الأولوية للابتكار، حيث يعتبره 85% من المديرين التنفيذيين من أهم الأولويات لديهم. ورغم ذلك، لا يزال تحويل هذا الطموح إلى جاهزية يشكل تحديًا كبيرًا”. وأضاف حمادي أنه “من أجل سد هذه الفجوة، فإنه من الأهمية بمكان تعزيز حلقة الوصل بين الابتكار واستراتيجية الأعمال، ولذا يتعين على الشركات إجراء مقارنات معيارية للعمليات ذات الصلة ومواءمتها مع الأهداف الاستراتيجية والاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتصدي للقيود المتعلقة باستقطاب أصحاب المواهب والكفاءات ومعالجة ارتفاع تكاليف رأس المال”.
التحديات المتعلقة باستقطاب أصحاب المواهب في مشهد متغير
عندما طُلب من قادة الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي تصنيف التحديات التي تواجه فرق الابتكار لديهم، ظهرت القيود المتعلقة باستقطاب أصحاب المواهب والكفاءات كواحدة من أهم القضايا التي تواجههم، إلى جانب ارتفاع تكلفة رأس المال.
وأشار تيبو ويرل، الذي يشغل منصب مدير مفوض وشريك لدى بوسطن كونسلتينج جروبإلى أن “دول مجلس التعاون الخليجي تشهد تغيرات لافتة فيما يتعلق باستقطاب أفضل المواهب والكفاءات“، وأضاف: “رغم أن دبي وأبو ظبي والرياض تحتل مرتبة عالية كمدن مُفضلة وجاذبة للمواهب العالمية، إلا أن المنطقة لا تزال في المراحل الأولى من بناء قاعدة المواهب والكفاءات. لكن كما شاهدنا مع العديد من المبادرات في دول مجلس التعاون الخليجي فإنها تؤتي ثمارها في حال بناءها وتعزيزها. ومن المرجح أن يؤدي التطور السريع لمنظومات الابتكار في هذه المدن الثلاث إلى تسريع وتيرة استقطاب المواهب والكفاءات في السنوات المقبلة”.
سلطت الدراسة أيضًا الضوء على الحاجة إلى نهج أوسع نطاقًا لمنظومات الابتكار في دول مجلس التعاون الخليجي، مع ضرورة الإشادة بالدور الحيوي المنوط بقادة القطاع العام والاستراتيجيات الوطنية في تحفيز ودفع الابتكار جنبًا إلى جنب مع الجهود المؤسسية.
تزايد تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي
كشفت الدراسة النقاب عن أن 84% من شركات دول مجلس التعاون الخليجي بدأت في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) لدفع عجلة الابتكار وتحفيزه، مما يعكس تبني المنطقة للتقنيات المتطورة. ولكن كما هو الحال مع الاتجاهات العالمية، لا تزال معظم الشركات في المراحل المُبكرة من تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وأضاف فيصل حمادي إن “الذكاء الاصطناعي التوليدي يقدم فرصة كبيرة للمبتكرين في دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز الكفاءة وجلب وجهات نظر جديدة لمؤسساتهم. ونتوقع أن نرى استخدامًا أكثر انتشارًا وتطورًا للذكاء الاصطناعي التوليدي في عمليات الابتكار، مع استمرار المنطقة في الاستثمار في التحول الرقمي وتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي”.
ست توصيات رئيسية لربط الابتكار باستراتيجية الأعمال
يعد الاستشراف والرؤية العملية في الاستراتيجية جوانب بالغة الأهمية لنجاح الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي. حيث يمكن للشركات ترسيخ مكانتها بأن تضع نفسها في طليعة القطاعات التي تعمل فيها وذلك من خلال تبني نهج استباقي، مع توقع الاتجاهات المستقبلية، ومواءمة جهود الابتكار التي تبذلها مع الأهداف الاستراتيجية. ولتحسين جاهزية الابتكار وربطه باستراتيجية الأعمال، توصي بوسطن كونسلتينج جروب بالتركيز على ستة عناصر رئيسية كالتالي:
- المسؤولية التنفيذية: ضمان قيادة الابتكار ودعمه من قبل الرئيس التنفيذي أو أعضاء الإدارة العليا البارزين.
- وضوح الهدف: وضع تصور مشترك حول الهدف من الابتكار وكيفية دعمه لاستراتيجية الشركة.
- التركيز على الميزة التنافسية: التركيز بشكل صريح على فرص النجاح الواضحة للشركة.
- تحديد المجالات: تركيز جهود الابتكار على المجالات التي تدعم الاستراتيجية العامة.
- هيكل المحفظة المستهدفة: وضع رؤية واضحة لكيفية توزيع الموارد عبر حزم الابتكار.
- تحديد الأهداف الكمية: تحديد منظور حقيقي حول كيفية مساهمة الابتكار في تحقيق الأهداف المالية.
النظرة المستقبلية
مع تنويع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي والتوجه نحو القطاعات القائمة على المعرفة، يصبح الابتكار الاستراتيجي أمرًا بالغ الأهمية. حيث يمكن للشركات في دول مجلس التعاون الخليجي التنافس عالميًا ودفع عجلة النمو الاقتصادي الإقليمي وذلك من خلال مواجهة التحديات الحالية ومواءمة الابتكار مع استراتيجية الأعمال. وتعد الاستفادة من التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي مع الحفاظ على رؤية استراتيجية واضحة أمرًا مهمًا وفعالاً. ولسد فجوة الجاهزية، يتعين على قادة الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي تقوية الارتباط بين الابتكار واستراتيجية الأعمال مع الاستفادة من الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، سيكون من المهم بذل جهد كبير للتصدي للقيود التي تواجه استقطاب أصحاب المواهب والكفاءات ومعالجة تحديات التمويل، خصوصًا في ظل ارتفاع تكاليف رأس المال. وسيدعم هذا النهج تحسين جاهزية الابتكار، وتعزيز استقطاب المواهب، وتسريع وتيرة التقدم التكنولوجي، ووضع دول مجلس التعاون الخليجي كمركز عالمي للابتكار.
يمكنكم تحميل الدراسة كاملة من هنا.